Monday, March 8, 2010

ديباج آخر .. ونفس الطين

ديبـاجٌ آخر .. ونفسُ الطِّـين
في مقالة سابقة بعنوان " ماليزيا ومصر.. بين الديباج والطين"، تعرضنا فيها لمقارنة بين اقتصاد دولة في جنوب شرق آسيا(ماليزيا) لم نكن نسمع بها قبل ثلاثة عقود لتصبح ملء السمع والبصر، وبين اقتصاد دولة من أقدم دول التاريخ (مصر) ذات موارد متعددة وتقاليد اجتماعية راسخة. مقارنة بين اقتصاد ماليزيا التي ينقسم مجتمعها تقسيمات طولية وعرضية، ما بين أجناسٍ مختلفة قلبًا وقالبًا فيما بينها، ومختلفة حتى داخل نسيجها العقيدي (إسلام-مسيحية-بوذية-هندوسية-لا دينية-ديانات غير مُعرَّفة) واللغوي (ملايو– صيني حقه-صيني ماندرين- اوردو – تاميل – كادازان – ولغات أخرى غير مُعرَّفة). وبين اقتصاد مصر التي صهرتها بوتقة التاريخ فلا تكاد تجد فيها إلا جنسًا واحدًا ليختفي التقسيم الطولي، ويكاد لا يظهر التقسيم العَرْضي حيث تسودها ديانتان بنسبة 97% للإسلام (كلهم سُنَّة) و3% للمسيحية، ولغة (العربية سائدة- النوبية محصورة). مقارنة بين دولة ناشئة وبين نتاج تاريخي طويل من التواجد المستمر. لكنها مقارنة بين الديباج (ماليزيا) والطين (مصر).


ورغم أن قيادتَي البلدين قد بدأتا في عام 1981، إلا أن مهاثير محمد رئيس وزراء ماليزيا الذي اعتزل طواعية منذ ثماني سنوات قد حقق لماليزيا ما لم يحققه لمصر أي قائد في القرون الثلاثة الماضية ولا حتى محمد علي باشا (رغم اعتراضنا عليه).

اليوم مقارنتنا تأتي على المستوى السياسي، وبالتحديد على مستوى رئاسة الوزراء. فكما أن رئيس وزراء مصر أحمد نظيف يسمى السيد نظيف، فإن رئيس وزراء تايلاند أبهيسيت فيجا جيفا يُدعى السيد "نظيف". والسبب في ذلك ليس أن العديد من رؤساء وزراء تايلاند السابقين قد اتُّهِموا بالفساد فيما لم يُتَّهم ولا واحد من رؤساء وزراء مصر السابقين ولا حتى النقراشي. ولكن السبب في المفارقة هو أن السيد أبهيسيت قد نال التسمية لنظافة يده وحسمه في الوقوف أمام كل تحديات الفساد التي عرضت لحكومته رغم انها لم تمضِ في الحكم إلا سنة واحدة حتى الآن. في حين ان السيد أحمد نظيف قد نال الإسم قبل أن ينطق كلمته الأولى بشهورن وبعد أن سكت دهرًا قبل أن ينطق، فلقد نطق مصرِّحًا بأن مصر دولة عِلمانية، وكأنه لم يفتح كتاب تاريخٍ في حياته ولم يسمع حتى برنامج "حدث في مثل هذا اليوم".


وحيث حددنا كلامنا حول المستوى السياسي فلن نُحرج نظيف مصر امام نظيف تايلاند بمقارنة إقتصادية أخرى بين ديباجٍ آخر ونفس الطين، ولكننا سندخل تحدٍّ كبير للمقارنة بين ديباج السياسة التايلاندية وطين السياسة المصرية. ولمزيدس من التحدي فيسرنا أن نعلن ابتداءصا ان السياسة التايلاندية تعد من أكثر النظم السياسية تقلبًا في جنوب شرق آسيا.


ليس هذا فحسب؛ بل هي سياسة الألوان، فهناك صراعٌ كبير بين جماعة أصحاب القمصان الحمر الموالية للمعارضة، وجماعة أصحاب القمصان الصفر الموالية للحكومة، فيما يخلو لنا ان نطلق عليها بحرب البطيخ (الأحمر من الدَّاخل) والدُّريان (فاكهة استوائية صفراء من الداخل ذات رائحة نفاذة وطعم جميل لمن يعتاده). ونزيد من حدة التحدي بأن نذكر أن المجتمع التايلاندي (ذي الأغلبية البوذية) قد انقسم سياسيًا عن خلفية اقتصادية، اي أن الإقتصاد السياسي يحكم الكثير من معادلات الصراع السياسي الداخلي في تايلاند.


إضافة أخرى أخيرة: المقارنة تجري بين مملكة تايلاند (على رأسها واحد من أقدم ملوك العالم)، وجمهورية مصر (على رأسها واحد من أقدم رؤساء العالم). بيد اننا لا نقصد من الإضافة الأخيرة تمييز المَلَكِيَّةِ عن الجمهورية، فالأمر لا يهم، خاصة وأن الإسلام لم يهتم بمسميات الحكم بقدر ما اهتم بقواعده وتنظيماته.


وسنوجز مقارنتنا في نقاط ونترك لخيال القارئ تصور الحقائق:
1- جماعة "أصحاب القمصان الحمر" هي أشد الجماعات خلافًا مع النظام الحاكم في تايلاند، كما أن جماعة "الإخوان المسلمون" هي أشد الجماعات خلافًا مع النظام الحاكم في مصر (مع الفوارق الجوهرية بين الجماعتين بالطبع).


2- يسمح النظام التايلاندي للجماعة بالممارسة السياسية الكاملة لدرجة تنظيمها مظاهرة (تدعي وصولها إلى المليون متظاهرًا)، تهدف علانية إلى إقصاء الحكومة وتغيير الدستور. في حين لا يسمح النظام الحاكم في مصر لجماعة "الإخوان المسلمون" بالممارسة السياسية العلنية ويعتبرها محظورة.


3- يسمح النظام الحاكم في تايلاند لجماعة "أصحاب القمصان الحمر" بالإنضمام إلى حزب أو تشكيل حزب أو التحالف مع حزب، في حين يمسك النظام الحاكم المصري بالعصا لأي حزب يفكر في التعاون مع "الإخوان المسلمون"، فضلاً عن عدم السماح لجماعة "الإخوان المسلمون" بتاليف حزب يعبر عن أكبر جماعة سياسية في البلد.


4- يتحاشى النظام التايلاندي اعتقال أفراد وقادة جماعة أصحاب القمصان الحمر بدون وجود مبررات قانونية لذلك، ولا يعتبر نشاطاتهم التي تعتمد على الكثير من التهديد أمر محظورًا وللجميع أن يلبس أحمر أو أصفر إن شاء، في حين يحظر النظام الحاكم في مصر الإنتماء إلى جماعة ما قبل النظام الجمهوري "الإخوان المسلمون"، ويعتبرها محظورة، بل وصل الأمر إلى تصريح قمة النظام بأنه لا يعرف شيئًا اسمه "الإخوان المسلمون"، وهو ما يعني بطلان إجراءات الإعتقال على خلفية الإنتماء لجماعة ما دام رأس النظام يصرح بأنها غير موجودة!!


وحيث أننا في مصر لا نتلون سياسيًا فليس أمامنا سوى حالة الَّلالون وهي لا تتفق علميًا إلا في الأسْوَدِ (بمعنى أننا نلبس أسْوَدًا على حدِّ التعبير الإسكندراني) حيث الأسود ليس لونًا وإنما نتاج اختفاء الألوان جميعها، في حين أن الأبيض نتاج دمج الألوان كلها(ولا يعلم إلا الله متى تلبس مصر اللون الأبيض).


5- رغم مرور ثلاثة أشهر تقريبًا على تصريح جماعة أصحاب القمصان الحمر بتنظيمهم مظاهرة مليونية لإقصاء النظام إلا أن النظام التايلاندي لم يقرر فرض قانون الطوارئ إلا قبل المظاهرة بثلاثة أيام فقط وعلى خلفية تهديدات بأن تتحول المظاهرة إلى حرب أهلية (تصوروا؟)، في حين يفرض النظام المصري قانون الطوارئ على الشعب المطحون منذ ثلاثين سنة هي عمر الحلقة الأخيرة (حتى الآن) من مسلسل أنظمة الثورة.


6- أدوات المعارضة التايلاندية عديدة، فمنها المظاهرات ومنها حشد الأغلبية لسحب الثقة لإسقاط الحكومة، ومنها البحث عن فساد أكثر من وزير لإسقاط الحكومة، ومنها البحث عن فساد رئيس الوزراء لإسقاط الحكومة، ومنها إقناع بعض أحزاب التحالف بالتخلي عن التحالف لإسقاط الحكومة، بينما يمكن للمعارضة المصرية سحب "أبو الهول" إلى ميدان عابدين ولا يمكنها سحب الثقة من حكومة لا يثق بها أحد. ويمكنها إسقاط الهرم الأكبر على رأس الهرم الأصغر ولا يمكنها إسقاط حكومة أسقطها الشعب من ناظريه من زمن طويل. ويمكنها جمع كل أحزاب الوطن في حفنة واحدة إلا أنها لن تتمكن من إسقاط حزبٍ يعتبر من تكايا الحكم، ولا حليف له في مصرإلا أصحاب السلطة والهوى.


7- يقبل النظام التايلاندي بالمشاركة في الحكم والتبادل السلمي للحكم والمنافسة على الحكم صراحة ولا يعاقب على التصريح بالسعي للوصول إلى الحكم وإسقاط الحكومة، في حين أن التهمة الجاهزة التي يلوكها النظام الحاكم في مصر هي أن جماعة "الإخوان المسلمون" يسعون للوصول إلى الحكم، والسؤال الذي يحيرني هو: ألا يسعى النظام الحاكم نفسه إلى الخلود في الحكم؟ وهل يكون الهدف من الدستور والتشريعات السياسية إلا تحقيق تداول السلطة وعدم الخلود في الحكم، وبنص القانون ذاته لا يجوز الجمع بين ثلاث فترات متتالية؟ ولماذا لا يسعى من يجد في نفسه الكفاءة ليصبح الرئيس؟ إن قبِله الشعب قبله وإن رفضَه رفضَه.


وهل وُلِد أيٌ من رؤساء مصر الأربعة منذ الثورة بميزة انقرضت في شعب مصر؟ ولماذا لا يسعى الإخوان إلى السلطة وهم من أكثر جماعات المعارضة قربًا إلى روح الشعب المصري؟ وإذا كان الإخوان غير موجودين، فلماذا لا تفضحهم الحكومة بانتخاباتٍ نزيهة تظهر عدم وجودهم؟ أم أن الفضيحة ستكون من نصيب الحزب الذي يسيطر على البلد بدون شرعية وبتزويرٍ في الإنتخابات يشهد به القاصي قبل الدَّان.


لقد صدق الله سبحانه إذ يقول: "فإنها لا تَعمَى الأبصارُ ولكنْ تَعمَى القلوبُ التي في الصُّدور".ه


1 comment:

  1. سلام ازيك انشاءالله تكون باحسن صحه انا امل سمعت انك في ماليزيا بليز ابعتلي ايميلك ونمرة تلفونك
    amoraa83@gmail.com

    ReplyDelete