Friday, February 18, 2011

ثورة الساجدين



ثــــــــــــــــــــــورة الســـــــــــــــــــــــــاجــــــــد يـــــــــــــــــــــــــــــــــــن
"إن الله لا يغيَّرُ ما بقومٍ حتى يغِّروا ما بأنفسهِــم"



لم يشهد التاريخ مثلها ثورة، ولم يكن يمر بخلد أحد قَطُّ أن تحدث ثورة بهذه المقاييس العالية من الدقة والنظام، ومن الحدة والإلتئام، ومن الوقار والإحترام. ثورةُ شبابٍ بالروح والقلب، وثورة شيوخٍ بالحكمة والحِنكة، وثورة أبناء بالتوقير والإحترام، وثورة آباء بالتضحية والرحمة.

ثورة عرِف كلُّ جيلٍ فيها مكانه ومكانة غيره، فالتزم كلُّ مَن بالصَّفِّ بمكانه وموقعه، حتى إذا دارت الرَّحى واشتدَّ العصفُ والوغى؛ لم يغادر منهم من أحدٍ موقعهُ وهو سليم، ولم يظهر بينهم منافقٌ أو لئيم، وانطلقت قوات الغدر في الأزقة والطُّرقات، فإذا بها تنكسر وتفر وتدوسُ لواءها وتهيم.

ثورة بيضاء ناصعٌ بياضها تسر الناظرين، وتلهم المفكرين، وتدهش المُرجِفين، وتزعج مُقامات الظالمين، وتهز أركان الظلمِ في العالم، فيهب كلُّ ظالمٍ من نومِه فزِعًا، يحاول أن يلملِم أركان ظلمِه، ويرأب الصدع العميق الذي أحدثته الثورة الخالِدةُ في جِدار جبروتِه؛ بعد أن أظهَرت واحِدًا يتهاوى ممن هم على شاكِلَتِه. لقد أدرك عُبَّادُ الأصنامِ أنها أصنامٌ لا تضرُّ ولا تنفع، فانفضوا مِن حولِها وشدَّ انتباههم منظرُ الفتح، بلى إنهُ نصرٌ مِن اللهِ وفتحٌ كبير.

إنَّها ليست مجردَ ثورة، بل فتحٌ من الله له ما بعده من فتوحات، فقد تغيَّر الشعبُ فغيَّرَ اللهُ ما بهِ ورفع عنه حُجُبَ الحرَّية، وألقى الرُّعب في قلوب ظالميه، وألَّف بين قلوبٍ لو أنفقنا ما في الأرض جميعًا ما ألَّفنا بينها هكذا في أيامٍ معدودات، فخرجت جموعُ الشعبِ كما يخرجُ الحجيج، ولبَّت نداءَ الحُرِّية التي منحها إياها خالقُها على صبرها واحتسابها وعودتها وثباتها؛ في وتٍ واحدٍ كأنه يخرج من حنجرةٍ واحدة، قاد الشباب الشيوخَ كما هو الحال دومًا في الحراك الإسلامي، فقد نصر اللهُ رسولَهُ بالشباب، وكُلُّ عودةٍ إلى طريق النصرِ لا تكون بغير الشباب.

هذا الشبابُ الذي هُمِّشَ قد عاد إلى صدور الصفحات، وأصبح عنوانًا للإصلاحِ بالحُسنى وبالثورات. هذا الشبابُ الذي اتهموهُ بالخنوع وبالخضوع، وقالوا عنه أنه العقبةُ التي صنعوها في طريق الرجوع. عاد إلى ربِّهِ عودًا حميدًا، وانتصر على نفسه وعدوِّهِ نصرًا مجيدًا، أفغر به أفواه المتشدِّقين، وسفَّهَ بهِ أحلام المتصفصتين.

لقد عرَف الشبابُ أن الإلتزام هو طريق النصر فلزمه، ونعت العالمُ مجتمعهُ بالمتديِّن، ثم تغالوا فنعتوهُ بالمتعصِّب، ثم تمادوا في غلوائهم فنعتوه بالمتطرِّف. وحذَّروا منه العالم، وحاولوا أن يدسوا السُّمَّ له في العسل، فأذاعوا الفاحشة في لباس المدنية، وأحلُّوا له كُلَّ دينٍ يخالف دينَ الإسلام، وسدُّوا أمامَهُ كلَّ طريقٍ يسلكُهُ إلى لقمة عيشٍ حلال، وقرَّبوا إليه كل موائد الحرام، فأخرجَ الله مِن خيرِ مصرَ موائدًا سُمِّيَت بموائِد الرحمن، رحمة من الله للفقير الذين أُسقِط من كل حِساباتِ الحُكَّامِ الظالمين؛ إلا من حساب الفتنة والعذاب، وحساب الإضطهاد والتعذيب. لكنهم رجالٌ صدقوا ما عاهَدوا اللهَ عليه، لم ينكسوا ولم ينقلبوا على أعقابهم، وصبروا وجاهدوا أنفُسهُم استعدادًا لجهادِ غيرِهم، ونصروا الله على أنفُسَهُم، فنصرهُمُ الله على عدوهم. ومكنهم في الأرض، وقد اجتمع الظُّلمُ عليهم فلم يفتَّ في عضُدِهِم.

وحين أذن مؤذنٌ للصلاة، لبُّوا وصدورُهُم تتلقى رشاشاتِ الماء والرصاص، وتفجَّرُ فيهم قنابل الغاز والدخان، ويسقُطُ منهم من اختارَه الظالمون ليكون ضحيتَهُم وهم لا يعلمون أن الله قد اختارَهُ قبلهم ليكون من المقرَّبين إليه، واصطفاهم ليكونوا من الشهداء، ولتكون دماؤهم طهورًا لقلوب المصريين، يشهدون في لونها الأحمرِ القاني لونَ الحرِّيَّةِ والكرامَة، ويشمون في رائحتها الزكيَّةِ رائحة الجنَّة، فيسعون سعيًا ويطوفون حولَها طوافًا، ويلبُّون بأعدادٍ فاقت كُلَّ أحلامِ الحالمين وكوابيسِ الجبناءِ الظالمين.

ثم تمتد منهم يدٌ إلى حرامٍ وإن حاول إعلام الظُّلمِ أن يصوِّرهم بغيرِ ذلك، ولم يُفلِح كيدُ الكائدين في الإيقاع بين صفوفِهِم، لا بالنعرةِ الحِزبية، ولا بالإفتراءات الكيدية، ولا بالفتنة الطائفية، ولا حتى بخلقِ صراعٍ بين جيل النصر من الشباب، وجيلِ الدَّعمِ من الآباء، فلم يزهو الأول بنصرِهِ كما لم يتكبر الآخرُ بحكمتِه، وإنما كان الشباب أشدَّ حِرصًا على آبائه، وكان الآباءُ أشدَّ تواضُعًا حين قالوا أن أبناءهم قد فعلوا أكثر مما راودهم في أحلامهم، ولم يجحدُ أىٌّ منهما الآخر، واتفقا على شيئ أذهل العالم، ولم يحدث من قبلُ في تاريخ الثورات، بل هو زلزالٌ سوف تسقط لهزته عروشٌ وطيدة.. لقد اتفقوا على الصلاة.

وارتبطت ثورتهم بالمؤذِّن، وارتبطت خطتهم بالجمعة تلو الجُمعة، فجاءت جمعةُ الغضب، التي وقفت فيها ملايينُ الثائرين تصلي، وردت بشكلٍ عمليٍّ ومثاليٍّ على خطيئة أهلِ الظلمِ الذين حاربوا المُصلِّين وخرجوا على كلٍّ عرفٍ وشرعٍ ودين. واختفت خراطيم المياة التي عجزت أن تطفئ جذوة الآلاف أمام حشد الملايين، وأخرج الشعب فلذة كبدِه إلى ميدان "التحرير"، في هذا الميدان بالذات، الذي شهدَ من قبلُ تحريف عقيدة الشعب، وكان أحرى به أن يسمى قبلها بميدان "التغرير". غير أنه بقعةٌ طاهرةٌ من أرضِ الوطن، أرادت أن تعود كما عاد الشعب، فأصبح ميدان الععودة والتوبة، وميدان الشهداء، وميدان الحريَّة، وميدان الثورة، وميدان مصر الذي أصبح أشهر ميدانٍ في التاريخ المعاصر، وأصبح عَلمًا إسلاميًّا وعربيًّا، مثل القادسية واليرموك وحطِّين، نقطة فارقةً في التاريخ يختلف ما قبلها اختلافًا بيِّنًا عما يأتي بعدَها. وأضيفَ اسمُ الميدان إلى تاريخ مصر، وشهدت مومياوات الفراعنة على بُعدِ خطواتٍ منها بأن عظمة الشعوبِ لا تخبوا ولا تنقرض، وأن مصر في تاريخ الإسلام، وتاريخ الإسلام في مصر، سيمفونيةٌ لم يعرف التاريخُ لها مثيلاً. وأن سلاطين وملوك ورؤساء وحكام الأرض ليسوا في مُلكِها سوى غيضٍ مِن فيض أو قطرةٍ في محيطٍ ممتد.

وأذَّن مؤذِّنُ الجُمعَة، والتقت الأقدام بالأقدام، والأكتافُ بالأكتاف، والقلوبُ بالقلوب، والحناجرُ بالحناجر، ونقلت تلفزاتُ العالم ملايين الساجدين، الذين تاعلوا على الظلم وأهله، وركعوا وسجدوا في خضوعٍ وخشوع لله الواحد القهار، الذي له الملك من قبل ومن بعد. وأعادوا ذاكرة العالم إلى يوم العبور، حين عبروا بخطةٍ أسماها صاحبها بخطة "المآذن العالية"، والتي انتكس الظالم عليها ولم يكرِّم صاحبَها بل أهانَه؛ لتأتي الثورة بعد ثمانية وثلاثين عامًا لتُكَرِّمَه. ولم يتساءل أحدٌ ممن ظلموه، لماذا مات هذا الرجُل عشية يوم الثورة؟ وجاء خبرُ وفاتِه مسبوقًا ومصحوبًا ومتبوعًا بأخبار النصر الجديد "وفاة رئيس أركان حرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلي". لقد اختار الله ذلك اليوم لحكمةٍ بالغةٍ يسمو فهمها فوق عقول وقلوب الظالمين والمعتدين.

لو أنه مات قبلها بأسبوع لخرجت جنازته العسكرية وفيها من فيها من الظالمين. ولم يكن ليُسمَح للشعب المحبِّ له أن يخرج فيها، ولم يكن ليُذكر بعدها يومُ وفاتِه. لكن الله أراد ألا يغمِض عبدُه البارُّ على شيئٍ يكرهه، أو أن يمشي في جنازته أحدٌ يكرهه، أو أن يحجب الأبرارُ عن جنازته.. فرحلَ كريمًا كما ينبغي للكرماءِ أن يرحلوا.

وأما الذي ركب موجة النصر، وادعى لنفسه ما ليس له من الفضل، ومَنَّ على الناسِ بنصرٍ تآمَر وسابقه على سرقته، وامتنع طيران مصر بأمره وأمر سيدِه أن يقتُل شارون وجندِهِ في الثغرة، حتى أن التف شارون خلف الجيش، وأسقط مظلته وجعله عاريًا يتخطفه طيران الصهاينة، تمت لهما الخطة، وجُرَّت مصرُ المنتصرةُ إلى طاولة السلام ذليلة منكسرة، وبكى الشاذلي كما بكى قادة شرفاء، واستقال ثلاثة وزراء خارجية معترضين، واستقال العرب واستقالت مصر، ولم يَعُد الجميعُ إلا يوم أن رحل الشاذلي، وعادت مصر بعينٍ تدمعُ من أجل فراق قائدها، وعينٍ تدمع فرحًا بالحُرِّية. وقبل أن يُوارَى الشاذلي التراب، دفنت مِصرُ في مزبلة التاريخِ نظامًا تطاول عليها ورماها بكل خبيثٍ، ليُرفعَ الشاذليُّ على الإعناقٍ كريمًا مكرَّمًا، ويُخفَض مبارك تحت الأقدامِ ذليلاً مُحقَّرًا.

وأذَّن المؤذن يدعو للصلاة، وأذن المؤذن للخطبة، وأذن المؤذِّنُ للإقامة، وصلَّت الجموع، في جمعة الغضب، ثم جمعة الرحيل (رحيل الطاغية)، ثم جمعة الحسم حين التقت الحناجر في ميدان التحرير ومصر وبقاعٍ كثيرةٍ من العالم؛ أدركنا ساعتها أنها لن تفوت والظالم في كرسييِّه، لأن الله تعالى مجيب الدعاء، ولن يخذل الملايين التي اتحدت على دعاءٍ واحد، ورددت الملايين خلف الشيخ محمد جبريل الذي اتهموه بالسوء فكان اليوم أيضًا يوم تكريمه، وعودة الشيخ عمرو خالد وآخرون انتهك النظام حرمتهم كعلماء، وعاد الأزهر، وعادت مِصر، فلم يكن النصرُ ليتخلف، سُنةَ الله، ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً، ولن تجدَ لسُنَّةِ اللهِ تحويلاً.

Tuesday, March 9, 2010

قائمة المقالات السياسية

أدب سياسي ........

1- العولمة الثقافية تلزمها ثقافة عالمية

2- العولمة السياسية: الشرق الأوسط المحك الرئيسي

3- مسالك المستغربين: قلة في دراية ورمي في عماية

4- النظام العالمي الجديد: صاحب البيت آخر من يعلم

5- أعطوا اليهود حقهم

6- مقاصد العشاق .. بين السم والترياق

7- الديكتاتورية خير من الفوضى، والفوضى خير من الإحتلال

8- آدم سميث والمسمار الأخير في نعش الرأسمالية

9- لماذا لا تكون أنت الرئيس

سياسة دولية .........

1- سياسة أوباما .. البعرة تدل على البعير

2- أنا بولس.. هكذا ترى أميركا نفسها

3- النظام العالمي الجديد لن يكون أميركيًا

4- حوار مع عابر سبيل: المسألة البنلادنية

5- أميركا الرجل المريض (1) ، (2) ، (3)

6- الجامعة العربية.. مخاض أم احتضار؟

7- نحو مجتمع عربي واحد

8- إيران فوق صفيحٍ ساخن

9- ترنيمة الفاتح لما أغلق

تربية سياسية ....

1- أحلم بأن أكون رئيسًا للجمهورية

2- لماذا لا تكون أنت الرئيس؟


هموم الوطن.. ............

1- مصر والوصول إلى حالة العفن السياسي

2- البرادعي... والموبقات العشر



أحزاب سياسية ............

1- الإخوان وأهل الكهف

2- إلبيـــــــــــه إخــوانجــي

3- النخب الحاكمة العربية .. من الشيزوفرينيا إلى الشوفينية


المقالات الساخرة .........

1- قراءة في كف بوش (1) ، (2) ، (3)

2- مملكة بني خيبان

3- يقول لكم بوش

4- انتحار كونداليزا رايس

5- ما هو نوع حموريتك؟

6- وفاة الدستور المصري

7- يحموس ومحموس

8- جيش الإختلال الأميركي

9- جهاز لكشف كذب الحكام

10- حكاية الجنيه المصري

11- دعوة إلى قمة عدم الإحتياج


أشعار ابن نجار ........

1- آه فلسطين

2- نكَّل نكِّل بالإخوان

3- في السجن عرفت الحرية

4- بين الغرقد والزيتــون

5- زهرة الأقحوان

6- أخي في الجزائر

7- أي قلمـــي

8- قررتُ أن أقطع خط الزمن

9- لا تبكني يا قلم


الزوج المسلمة ........

نتاج مشترك مع زوجي الكاتبة

وسام الشناوي

1- الزوج المسلمة .. ملكة في بيتها (1)، (2)، (3)، (4)، (5)

2- الزوج المسلمة .. كيف تعامل زوجها (1)، (2)، (3)، (4)، (5)

(6)، (7)، (8)، (9)، (10)

Monday, March 8, 2010

ديباج آخر .. ونفس الطين

ديبـاجٌ آخر .. ونفسُ الطِّـين
في مقالة سابقة بعنوان " ماليزيا ومصر.. بين الديباج والطين"، تعرضنا فيها لمقارنة بين اقتصاد دولة في جنوب شرق آسيا(ماليزيا) لم نكن نسمع بها قبل ثلاثة عقود لتصبح ملء السمع والبصر، وبين اقتصاد دولة من أقدم دول التاريخ (مصر) ذات موارد متعددة وتقاليد اجتماعية راسخة. مقارنة بين اقتصاد ماليزيا التي ينقسم مجتمعها تقسيمات طولية وعرضية، ما بين أجناسٍ مختلفة قلبًا وقالبًا فيما بينها، ومختلفة حتى داخل نسيجها العقيدي (إسلام-مسيحية-بوذية-هندوسية-لا دينية-ديانات غير مُعرَّفة) واللغوي (ملايو– صيني حقه-صيني ماندرين- اوردو – تاميل – كادازان – ولغات أخرى غير مُعرَّفة). وبين اقتصاد مصر التي صهرتها بوتقة التاريخ فلا تكاد تجد فيها إلا جنسًا واحدًا ليختفي التقسيم الطولي، ويكاد لا يظهر التقسيم العَرْضي حيث تسودها ديانتان بنسبة 97% للإسلام (كلهم سُنَّة) و3% للمسيحية، ولغة (العربية سائدة- النوبية محصورة). مقارنة بين دولة ناشئة وبين نتاج تاريخي طويل من التواجد المستمر. لكنها مقارنة بين الديباج (ماليزيا) والطين (مصر).


ورغم أن قيادتَي البلدين قد بدأتا في عام 1981، إلا أن مهاثير محمد رئيس وزراء ماليزيا الذي اعتزل طواعية منذ ثماني سنوات قد حقق لماليزيا ما لم يحققه لمصر أي قائد في القرون الثلاثة الماضية ولا حتى محمد علي باشا (رغم اعتراضنا عليه).

اليوم مقارنتنا تأتي على المستوى السياسي، وبالتحديد على مستوى رئاسة الوزراء. فكما أن رئيس وزراء مصر أحمد نظيف يسمى السيد نظيف، فإن رئيس وزراء تايلاند أبهيسيت فيجا جيفا يُدعى السيد "نظيف". والسبب في ذلك ليس أن العديد من رؤساء وزراء تايلاند السابقين قد اتُّهِموا بالفساد فيما لم يُتَّهم ولا واحد من رؤساء وزراء مصر السابقين ولا حتى النقراشي. ولكن السبب في المفارقة هو أن السيد أبهيسيت قد نال التسمية لنظافة يده وحسمه في الوقوف أمام كل تحديات الفساد التي عرضت لحكومته رغم انها لم تمضِ في الحكم إلا سنة واحدة حتى الآن. في حين ان السيد أحمد نظيف قد نال الإسم قبل أن ينطق كلمته الأولى بشهورن وبعد أن سكت دهرًا قبل أن ينطق، فلقد نطق مصرِّحًا بأن مصر دولة عِلمانية، وكأنه لم يفتح كتاب تاريخٍ في حياته ولم يسمع حتى برنامج "حدث في مثل هذا اليوم".


وحيث حددنا كلامنا حول المستوى السياسي فلن نُحرج نظيف مصر امام نظيف تايلاند بمقارنة إقتصادية أخرى بين ديباجٍ آخر ونفس الطين، ولكننا سندخل تحدٍّ كبير للمقارنة بين ديباج السياسة التايلاندية وطين السياسة المصرية. ولمزيدس من التحدي فيسرنا أن نعلن ابتداءصا ان السياسة التايلاندية تعد من أكثر النظم السياسية تقلبًا في جنوب شرق آسيا.


ليس هذا فحسب؛ بل هي سياسة الألوان، فهناك صراعٌ كبير بين جماعة أصحاب القمصان الحمر الموالية للمعارضة، وجماعة أصحاب القمصان الصفر الموالية للحكومة، فيما يخلو لنا ان نطلق عليها بحرب البطيخ (الأحمر من الدَّاخل) والدُّريان (فاكهة استوائية صفراء من الداخل ذات رائحة نفاذة وطعم جميل لمن يعتاده). ونزيد من حدة التحدي بأن نذكر أن المجتمع التايلاندي (ذي الأغلبية البوذية) قد انقسم سياسيًا عن خلفية اقتصادية، اي أن الإقتصاد السياسي يحكم الكثير من معادلات الصراع السياسي الداخلي في تايلاند.


إضافة أخرى أخيرة: المقارنة تجري بين مملكة تايلاند (على رأسها واحد من أقدم ملوك العالم)، وجمهورية مصر (على رأسها واحد من أقدم رؤساء العالم). بيد اننا لا نقصد من الإضافة الأخيرة تمييز المَلَكِيَّةِ عن الجمهورية، فالأمر لا يهم، خاصة وأن الإسلام لم يهتم بمسميات الحكم بقدر ما اهتم بقواعده وتنظيماته.


وسنوجز مقارنتنا في نقاط ونترك لخيال القارئ تصور الحقائق:
1- جماعة "أصحاب القمصان الحمر" هي أشد الجماعات خلافًا مع النظام الحاكم في تايلاند، كما أن جماعة "الإخوان المسلمون" هي أشد الجماعات خلافًا مع النظام الحاكم في مصر (مع الفوارق الجوهرية بين الجماعتين بالطبع).


2- يسمح النظام التايلاندي للجماعة بالممارسة السياسية الكاملة لدرجة تنظيمها مظاهرة (تدعي وصولها إلى المليون متظاهرًا)، تهدف علانية إلى إقصاء الحكومة وتغيير الدستور. في حين لا يسمح النظام الحاكم في مصر لجماعة "الإخوان المسلمون" بالممارسة السياسية العلنية ويعتبرها محظورة.


3- يسمح النظام الحاكم في تايلاند لجماعة "أصحاب القمصان الحمر" بالإنضمام إلى حزب أو تشكيل حزب أو التحالف مع حزب، في حين يمسك النظام الحاكم المصري بالعصا لأي حزب يفكر في التعاون مع "الإخوان المسلمون"، فضلاً عن عدم السماح لجماعة "الإخوان المسلمون" بتاليف حزب يعبر عن أكبر جماعة سياسية في البلد.


4- يتحاشى النظام التايلاندي اعتقال أفراد وقادة جماعة أصحاب القمصان الحمر بدون وجود مبررات قانونية لذلك، ولا يعتبر نشاطاتهم التي تعتمد على الكثير من التهديد أمر محظورًا وللجميع أن يلبس أحمر أو أصفر إن شاء، في حين يحظر النظام الحاكم في مصر الإنتماء إلى جماعة ما قبل النظام الجمهوري "الإخوان المسلمون"، ويعتبرها محظورة، بل وصل الأمر إلى تصريح قمة النظام بأنه لا يعرف شيئًا اسمه "الإخوان المسلمون"، وهو ما يعني بطلان إجراءات الإعتقال على خلفية الإنتماء لجماعة ما دام رأس النظام يصرح بأنها غير موجودة!!


وحيث أننا في مصر لا نتلون سياسيًا فليس أمامنا سوى حالة الَّلالون وهي لا تتفق علميًا إلا في الأسْوَدِ (بمعنى أننا نلبس أسْوَدًا على حدِّ التعبير الإسكندراني) حيث الأسود ليس لونًا وإنما نتاج اختفاء الألوان جميعها، في حين أن الأبيض نتاج دمج الألوان كلها(ولا يعلم إلا الله متى تلبس مصر اللون الأبيض).


5- رغم مرور ثلاثة أشهر تقريبًا على تصريح جماعة أصحاب القمصان الحمر بتنظيمهم مظاهرة مليونية لإقصاء النظام إلا أن النظام التايلاندي لم يقرر فرض قانون الطوارئ إلا قبل المظاهرة بثلاثة أيام فقط وعلى خلفية تهديدات بأن تتحول المظاهرة إلى حرب أهلية (تصوروا؟)، في حين يفرض النظام المصري قانون الطوارئ على الشعب المطحون منذ ثلاثين سنة هي عمر الحلقة الأخيرة (حتى الآن) من مسلسل أنظمة الثورة.


6- أدوات المعارضة التايلاندية عديدة، فمنها المظاهرات ومنها حشد الأغلبية لسحب الثقة لإسقاط الحكومة، ومنها البحث عن فساد أكثر من وزير لإسقاط الحكومة، ومنها البحث عن فساد رئيس الوزراء لإسقاط الحكومة، ومنها إقناع بعض أحزاب التحالف بالتخلي عن التحالف لإسقاط الحكومة، بينما يمكن للمعارضة المصرية سحب "أبو الهول" إلى ميدان عابدين ولا يمكنها سحب الثقة من حكومة لا يثق بها أحد. ويمكنها إسقاط الهرم الأكبر على رأس الهرم الأصغر ولا يمكنها إسقاط حكومة أسقطها الشعب من ناظريه من زمن طويل. ويمكنها جمع كل أحزاب الوطن في حفنة واحدة إلا أنها لن تتمكن من إسقاط حزبٍ يعتبر من تكايا الحكم، ولا حليف له في مصرإلا أصحاب السلطة والهوى.


7- يقبل النظام التايلاندي بالمشاركة في الحكم والتبادل السلمي للحكم والمنافسة على الحكم صراحة ولا يعاقب على التصريح بالسعي للوصول إلى الحكم وإسقاط الحكومة، في حين أن التهمة الجاهزة التي يلوكها النظام الحاكم في مصر هي أن جماعة "الإخوان المسلمون" يسعون للوصول إلى الحكم، والسؤال الذي يحيرني هو: ألا يسعى النظام الحاكم نفسه إلى الخلود في الحكم؟ وهل يكون الهدف من الدستور والتشريعات السياسية إلا تحقيق تداول السلطة وعدم الخلود في الحكم، وبنص القانون ذاته لا يجوز الجمع بين ثلاث فترات متتالية؟ ولماذا لا يسعى من يجد في نفسه الكفاءة ليصبح الرئيس؟ إن قبِله الشعب قبله وإن رفضَه رفضَه.


وهل وُلِد أيٌ من رؤساء مصر الأربعة منذ الثورة بميزة انقرضت في شعب مصر؟ ولماذا لا يسعى الإخوان إلى السلطة وهم من أكثر جماعات المعارضة قربًا إلى روح الشعب المصري؟ وإذا كان الإخوان غير موجودين، فلماذا لا تفضحهم الحكومة بانتخاباتٍ نزيهة تظهر عدم وجودهم؟ أم أن الفضيحة ستكون من نصيب الحزب الذي يسيطر على البلد بدون شرعية وبتزويرٍ في الإنتخابات يشهد به القاصي قبل الدَّان.


لقد صدق الله سبحانه إذ يقول: "فإنها لا تَعمَى الأبصارُ ولكنْ تَعمَى القلوبُ التي في الصُّدور".ه